في جزء من مشهد سجن صيدنايا اليومي..

في جزء من مشهد سجن صيدنايا اليومي..
يموت عدد غير معروف من المعتقلين، أحدهم نتيجة تعذيب شديد، وآخر أغرق في الزنزانة، وذاك أعدم شنقاً، وهذا مات نتيجة المرض، والأخير قتله السجان بضربة على رأسه لأنه سمعه يهمس في زنزانته..
في الصباح تبدأ جولة السجانين على المهاجع والزنزانات، يطرق السجان الباب ويصرخ، ” في حدا فطس ؟ شو اسمو ؟”
فلان مات، ” يسحب المعتقلون الذين ينتظرون دورهم في الموت، جثة رفيقهم إلى باب المهجع، ربما احتاج أحدهم إلى قطعة من ثيابه فيأخذها لأنه عاري، رفيقه الميت سامحه بها مسبقاً، فلا حاجة له بها،” الحي أبقى من الميت “..
يفتح السجان الباب ويسحب الجثة، وتسحب جثث أخرى من مهاجع أخرى، يحملها البعض رهبة للموت ، أو تجر على الأرض، حيث تنتظر سيارة نقل اللحوم التي سكنتها أرواح الآلاف ممن نقلتهم، لتحمل حمولتها اليومية إلى مشفى تشرين العسكري, هناك يدخل الطبيب ككل يوم، يرقم الجثث، ثم يختم تقارير أعدت مسبقاُ تقول أنهم ماتوا باحتشاء قلبي ، أو مرض رئوي …
تحملهم سيارة أخرى، تتجه نحو مقبرة جماعية في نجها لموتى الاعتقال، هناك حفرة كبيرة مستطيلة أعدت مسبقاً، ترمى فيها جثثهم، ليس هناك مراسم دفن، ربما لن يكون بين الجنود الذين يدفنون الجثث من يحزن للحظة في قلبه عليهم، فهؤلاء إرهابيون ، عملاء، كما يعلمهم ضابط التوجيه السياسي في المحاضرة الأسبوعية، تتكرر هذه العملية بشكل مستمر، ربما يقلق من تعود من الجنود والضباط على رؤية جثث المعتقلين، إن مر يوم دون رؤيتها …
في الجانب الآخر، من وطن مذبوح، تستيقظ الأم كل صباح، وهي تعيش على أمل يشرق مع شمس استطاع المجرمون تغطيتها بغرابيل، لتنتظر دون ملل أن يطل ابنها المعتقل برأسه، تقول في نفسها، ربما يكون نحيلاً، أو مريضا، لا يهم ذلك..
فقد خططت لأعد له أطايب الطعام، خالد ابن جارتنا أم خالد خرج من السجن، عظاماً مكسوة بالجلد، وبعد شهرين عاد إلى صحته، وسيعود ابني كذلك …
تبتسم الأم عندما ترى تلك الفتاة التي أرادت تزويجها لولدها، وهي تلقي عليها تحية الصباح أثناء ذهابها لشراء الخبز بعد أن قتل والدها في قصف برميلي في السنة الماضية، تقول لها، قريباً سيذهب ابني ليحضر الخبز لنا جميعاً، وتبتسم الفتاة حائرة بين أمل وألم ..
لم تعلم تلك الأم أن جنوداً من هذا الوطن، حملوا جثة ابنها قبل أسابيع، لتدفن مع آخرين من رفاق، حلموا يوماً بشروق شمس دون غرابيل، وتبقى هي في انتظار، وتذهب الصبية كل صباح لشراء خبز مغموس بالدم والانتظار ..