سنوات دون محاكمة

سميرة… ابنة الخمسة والثلاثين عاماً, من مدينة داعل بريف درعا، أمٌ لثلاثة أطفال أحدهم معاق, اعتقلها الحاجز الموجود قرب منزلها عندما كانت تسأل عن زوجها المفقود… لتتفاجئ بأن اسمها من ضمن قائمة المطلوبين لفرع الأمن العسكري.
اقتادها الحاجز إلى فرع الأمن بمدينة درعا منتصف شهر آب (أغسطس) عام 2013، وبقيت فيه كـ”إيداع” مدة ثلاثة أيام، ثم نُقلت إلى فرع الأمن الجنائي لتكتشف أن زوجها كان معتقل بنفس الفرع.
بقيت سميرة وزوجها في هذا الفرع حوالي الشهر، وتعرضت خلاله لشتى أنواع الضرب والتعذيب.. حيث أشرف اثنان من عناصر الفرع على التحقيق معها وتعذيبها ولم تتمكن سميرة من رؤية هذين العنصرين لأنها كانت دائماً معصوبة العينين, لكنها كانت تميزهما من صوتهما, أثناء شتمهم لها وإهانتها… فأحدهما كان يتحدث بلهجة بدوية واضحة, والآخر بلكنة جبلية ثقيلة.
ضرب العناصر سميرة على جسدها بالكابل الحديدي، وعلقوها من يديها عدة ساعات خلال أيام التحقيق، وهذا النوع من التعذيب يسمى (الشبح) لإجبار المعتقل على الاعتراف بتهم لم يقترفها, فكانت التهمة الموجهة لسميرة هي “تصوير حواجز النظام بكاميرا جوالها”, بالإضافة إلى تهمة “إطلاق النار على الحاجز، والتعامل مع المسلحين”.
أُلصقت التهمة بسميرة نتيجة حادثة إطلاق للنار على الحاجز القريب من منزلها, ومشاهدة عناصر الحاجز بأن الضوء الخارجي للمنزل قد انطفئ وقت الاطلاق، كما أن عناصر الأمن لم يكتفوا بهذه التهم، بل اتهموها أيضا بجهاد النكاح (وهي تهمة لم تكن موجودة لدى النظام السوري سابقاً, واستُحدثت خلال فترة الثورة وتحديداً بشهر نيسان “أبريل” عام 2013), فأصبحت هذه التهمة تـُلصق بجميع المعتقلات، المتزوجات منهم و العازبات على حد سواء، فكانت تهمة جاهزة لأي معتقلة لاتثبت إدانتها.
حُولت سميرة إلى سجن عدرا المركزي في نهاية شهر أيلول (سبتمتبر) عام 2013 برفقة ثلاث معتقلات من الفرع, دون أن تعلم من سيحاكمها.. محكمة الإرهاب أم القضاء العسكري؟.
كانت مأساة سميرة جمّة… ليس فقط باعتقالها وزوجها ظلماً.. بل للفاجعة التي حصلت لأخوتها قبل اعتقالها بحوالي الشهر والنصف… حين داهم عناصر الأمن منزل أهلها في المنطقة, واقتادوا أربعة من أشقائها (الأب والشقيق الخامس لم يكونا في المنزل أثناء المداهمة)، والتهمة أنهم أبناء عمومة بعض الثوار.
سيقَ الأشقاء الى منطقة غير مأهولة على أطراف مدينة داعل تـُطل على وادٍ عميق, لتنفيذ حكم الإعدام بهم من قبل عناصر الامن انتقاماً من أبناء عمومتهم الذين لم يتمكنوا من الإمساك بهم…. على أطراف تلك الهاوية وفي وقت الظهيرة… بدأت عملية الإعدام رمياً بالرصاص ومن ثم رمي الشبان بالوادي, حين كان أحد أبناء المنطقة يرقب ما يجري من مكان ليس ببعيد, وأخبر الأهل عن هول ما رأى, وبحسب روايته بأن الشقيق الرابع حينما رأى أخوته والرصاص يُطلق على أجسادهم رمى بنفسه مباشرة إلى الوادي قبل أن تصله طلقات الغدر.
لم تصدق الأم ما سمعت… وهرعت الى المكان مُسرعة… لكن عناصر الأمن كانوا يمنعون تجمع أهالي المناطق القريبة بعد سماعهم لصوت اطلاق الرصاص على أطراف الوادي, لم يُسمح للأم بالاقتراب, لتعود في فجر اليوم التالي وترى أجساد أبنائها الأربعة مبعثرة مدمية على صخور وأشجار ذاك الوادي, دون إمكانية الوصول لجثثهم أو حتى دفنها، لتتكمل مأساة الأم بعد ذلك باعتقال ابنتها سميرة وزوجها.
الزوج الذي أخلي سبيله من فرع الأمن العسكري بدمشق بعد شهرين من اعتقاله, خرج عليلاً سقيماً, لم يبقَ مكان لورمٍ أو تفسخٍ في جسده, بعد إثبات عدم وجوده داخل المنزل أثناء اطلاق النار على الحاجز، وعدم اعترافه بأي شيء تحت التعذيب.. لتكون التهمة موجهة بالكامل لسميرة التي كانت متواجدة في المنزل آنذاك مع أطفالها.
لم يستطع الزوج زيارة زوجته في السجن خشية الاعتقال مرة أخرى… وبقيت سميرة أكثر من عامين داخل سجن عدرا دون أن تُعرض على أي قاضٍ أو محكمة, بانتظار مصيرٍ مجهول, أو مبادلةٍ مرتهنة… كحال كل المعتقلات في السجون السورية.