الحسناء والوحش

 

 

ورودٌ سورية أينعت في ربيعٍ عربي فاح عبيرها بالحرية والكرامة… ليقوم نظامٌ فاشي مستبد بقطفها واقتلاعها من جذورها.

منذ انطلاق الثورة السورية في شهر آذار من العام 2011 والعالم يشهد الانتهاكات التي يمارسها النظام السوري بحق السوريين عامة وحق المعتقلين والمعتقلات في سجونه خاصة… اعتقالات تعسفية طالت العديد من الناشطات السوريات ليتعرضن خلالها إلى أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من خلال الضرب والكسر والاغتصاب…. وحتى الموت.

 

الشابة لمى الباشا من مواليد مدينة التل في ريف دمشق عام 1992 طالبة في كلية إدارة المشاريع اعتقلت بتاريخ السادس عشر من شهر نوفمبر عام 2014 إثر كمين نصبه لها عناصر الأمن السوري بالتعاون مع إحدى صديقاتها، حيث قامت بالإخبار عنها فألقي القبض عليها واقتيدت الى فرع الأمن السياسي في مدينة التل. عُذّبت وضُربت لمى بالكابل الرباعي الى أن تصبّغ جسدها النحيل قبل تحويلها إلى فرع الأمن السياسي بمنطقة المزة بدمشق حيث تابع عناصر النظام تعذيبها وضربها خلال فترة التحقيق وأثناء تواجدها في الفرع كانت المعتقلات معها تحاولن التخفيف من آلامها بوضع كمادات الماء على جروحها والأماكن التي تورمت من جسدها.

بعد حوالي ثلاثة أشهر تمّ تحويلها الى سجن عدرا المركزي لكن وقبل وصولها إليه تم عرضها على القضاء العسكري على اعتبار أنها موقوفة لصالح محكمة الميدان العسكرية، وبعد وصولها السجن بعشرة أيام تم استدعاؤها مرة أخرى الى المحكمة لاستجوابها عن شقيق ضابط في الفرقة الرابعة كانوا قد اتهموها بمساعدة إحدى الفصائل للوصول إليه.

كانت لمى كطفلة في جسد امرأة رقيقة طيبة القلب في تعاملها مع صديقاتها… هكذا وصفتها إحدى المعتقلات المفرج عنهن والتي تحدثت عن معناتاها من مرض الديسك وآثار التعذيب التي أثرت على حركتها في الفترة الأخيرة.

بعد أكثر من خمسة أشهر قضتها في سجن عدرا المركزي وفي صباح يوم قاسٍ كقسوة تلك القضبان أتت دورية خاصة تابعة للشرطة العسكرية لاقتياد لمى الى مكان مجهول, كانت ترتجف وتبكي من الخوف وتقول لباقي المعتقلات لا تتركوهن يأخذوني سيقومون بإعدامي…

وبعد محاولات جهيدة من أهلها وأصدقائها لم يتمكن أحد من معرفة المكان الذي نُقلت إليه ومن ثمّ وصلت أخبار غير مؤكدة أنها في سجن صيدنايا العسكري.

وفي تاريخ 30 من شهر يوليو عام 2018 صُدمت عائلة لمى حين وجدت اسم ابنتها في سجلات القيد المدني وقد كُتب الى جانبه: (متوفية) ذلك حين قام النظام بإرسال قائمة الى مدينة التل بأسماء مئات المعتقلين والمعتقلات الذين قضوا تحت التعذيب في سجونه.

 

كتبت براءة الباشا في صفحتها الشخصية على موقع فيس بوك عندما علمت باستشهاد شقيقتها لمى:

((بتاريخ 29/3/2015 كان هاد آخر يوم بشوفك فيه يا حبيبة روحي يا وردة العيلة… بتذكر ودعتك من ورا شبك السجن وقتها ترجيتي الشرطي يخليني بوسك وفتحلك الشباك بستك وضميتيني وبكينا وقلتيلي يا براءة حاسة إني ما عاد شوفك, أمانة ديري بالك على بابا وماما, أمانة براءة سامحيني.

إنتِي يلي سامحيني لأني ما عرفت طلعك إنتي يلي سامحيني لاني تركتك تروحي من بين إيدي هيك إنتي يلي سامحيني لأني ما عرفت حطك جوا عيوني.

لو تعرفي قديش مشتاقتلك مشتاقة اضحك وامزح معك.. مشتاقة تساويلي كيك وكاستر وبيتزا.

كتبتيلي رسالة طلبتي فيها مني اني جبلك الدب الميكي ماوس تبعك ووقت ما جبتو قلتيلي ليش اشتقتلو شايفين شلون عقلها طفل طفل يا ربي دخيلك بكل الدنيا ما اشتاقت غير لدبها !!! ولسه في ناس بنظرهم بتستاهلي الموت…والله نحنا يلي قلبنا مات وانتي بقيتي عايشة بس مو بهالدنيا

بتذكر قلتلي براءة هدول الاصابع ماني حاسة فيهم… براءة ماني قادرة احمل طفل صغير… وتبكي وانا قلك بكرة بتطلعي وبتصحي…أكيد هلق عند الله رجعتي متل الوردة ورجعوا اصابيعك لولو…أكيد هلق مبسوطة أكتر من كل البشر يلي ما خلوني افرح فيكي وإنتي ماسكة بنتي لمى يلي سميتها على اسمك عشان تضل صورتك قدامي))

 

-يذكر أن الصور التي سربها المنشق عن النظام السوري (قيصر) كان من بينها صور لمعتقلات قضين تحت التعذيب حيث فوجئ أهل الشابة رحاب العلاوي بصورة ابنتهم التي قضت داخل الفرع 215 الملقب بفرع الموت وهم يعتقدون أنها مازالت على قيد الحياة داخل السجن.

كما أن لمى الباشا لم تكن المعتقلة الوحيدة التي تم نقلها من سجن عدرا ليبقى مصيرها مجهول, بل هنالك أكثر من 116 معتقلة أغلبهنّ من موقوفات محكمة الميدان العسكرية قام النظام باقتيادهن إما من سجن عدرا المركزي أو من بعض الأفرع الى أماكن مجهولة، منهنّ عالمة الفيزياء الدكتورة فاتن رجب من مدينا دوما، والتي تحدث شقيقها بأن عناصر النظام السوري أخبروا العائلة بمراجعة فرع الشرطة العسكرية لتسلم أوراقها وأغراضها الشخصية تأكيداً على وفاتها داخل السجن, وأيضا الشابة سارة علاو من البو كمال وأمل الصالح من ادلب وصفاء غرة من ريف دمشق… والكثير الكثير من الأسماء الموثقة للمعتقلات اللواتي اختفين قسراً في غياهب السجون السورية.

وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان منذ بداية الثورة السورية في الشهر الثالث 2011 إلى منتصف العام 2018 أن عدد المعتقلات في سجون النظام السوري المتواجدات لغاية الآن لا تقل عن 7900 سيدة.

 

-هكذا أنهى بشار الأسد وحش هذا العصر وزبانيته حياة آلاف المدنيين من السوريين والسوريات الذين خرجوا وخرجن ضده ومزق قلوب آلاف العائلات قهراً وحزناً على أبنائها… خسارةٌ لا تعوضها الكلمات ولا الترنيمات… ربما العدالة فقظ العدالة التي يحلم بها الجميع.