التحديد القانوني لـ”المعتقل السياسي”

 

أ- في القانون الدولي:

لا يوجد تعريف دولي محدد ذي طبيعة قانونية للمعتقل السياسي، ولا يزال تحديد مثل هكذا تعريف خاضعاً لتقييم كل حالة أو دولة بعينها، دون وجود نص أو تعريف قانوني يصلح أن يكون شاملاً على الصعيد الدولي.

وسورياً لم تضع أي منظمة حقوقية تعريفاً للمعتقل السياسي، وغالباً ما تستخدم المنظمات الدولية، مثل هيومان رايتس ووتش، كلمات مثل معتقلين/ سجناء/ محتجزين، وأحياناً “المعتقلين المشاركين في أنشطة سياسية سلمية” في إشارة أكثر وضوحاً إلى كونهم “معتقلين سياسيين”.

في حين تستخدم منظمة العفو الدولية كلمات من قبيل: محتجز/ معتقل/ سجين؛ في حين أنها استخدمت مصطلح “معتقلي رأي” في حالات خاصة وفي مراحل مبكرة من الأحداث السورية، وأحياناً أشارت إلى “معتقلين سياسيين” أكراد وغيرهم. وللعلم فإن منظمة العفو الدولية تميز بين “معتقل الرأي” و”المعتقل السياسي”، في حين إن معظم الجهات الدولية لا تقيم مثل هذا التمييز.

“معتقلو الرأي” و”المعتقلون السياسيون” حسب منظمة العفو الدولية:

معتقلو الرأي: معتقلون معارضون للدولة، تطالب المنظمة بإطلاق سراحهم غير المشروط فوراً، وعموماً يتعلق اعتقالهم بسبب انتمائهم أو أفكارهم ونشاطهم السلمي مثل:

1- انخراطهم في أنشطة سياسية غير عنفية،

2- انتمائهم إلى أقليات تطالب بالحكم الذاتي،

3- إصرارهم على الممارسة الدينية التي تمنعها الدولة،

4- مشاركتهم في مظاهرات وإضرابات وأنشطة من قبل نقابات العمال،

5- اعتقلوا بذريعة ارتكابهم جرائم، في حين أنهم قاموا فقط بانتقاد السلطات،

6- اعتقلوا بسبب مقالات حول انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في بلادهم،

7- اعتقلوا بسبب رفضهم أداء الخدمة العسكرية الإجبارية على خلفية “رأي” محدد،

8- بسبب رفضهم استخدام لغة البلد الرسمية،

9- فقط بسبب حياتهم/ وجودهم في قرية محددة أو مكان محدد،

10- لأن أحد أفراد عائلتهم معارض صريح للحكومة.

أما “المعتقل السياسي”، فتعرفه المنظمة كالتالي:

هو المعتقل الذي يعتنق فكراً سياسياً أساسياً، يشكل حافزاً لقيام هذا المعتقل بفعل يؤدي لاعتقاله. وعلى خلاف معتقل الرأي لا تطالب منظمة العفو الدولية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ولا بمعاملتهم بشكل خاص (لكنها طبعاً تطالب بالمعاملة الإنسانية، أسوةً بجميع المعتقلين). وتذكر المنظمة عدة أمثلة لحالات يعتبر فيها المعتقل سياسياً:

1- الشخص الذي أدين أو اتهم بارتكاب جريمة عادية لكن بدافع سياسي، كالقتل والنهب لدعم أهداف مجموعة معارضة.

2- الشخص الذي أدين أو اتهم بارتكاب جريمة عادية حدثت ضمن سياق سياسي، مثل مظاهرات او احتجاجات لجماعات نقابية.

3 – الشخص الذي اعتقل لأنه عضواً في جماعة معارضة مسلحة.

أما أوروبياً:

في عام 2001 عملت مجموعة مستقلة من الخبراء بناءً على طلب من المجلس الأوروبي على وضع معايير واضحة لتحديد المعتقل السياسي في كل من أذربيجان وأرمينيا -في سياق مفاوضات انضمامهما للمجلس- استجابة للقصور القانوني في هذا الشأن، ورسمياً لا يزال هذا التعريف بمعاييره مقتصراً على هذين البلدين فقط:

“الشخص الذي يحرم من حريته الشخصية يعتبر سجيناً سياسياً في حال:

1- إذا انتهك اعتقاله/ها واحداً من الضمانات الأساسية التي نصت عليها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها، وبشكل خاص حرية الفكر والضمير والدين، وحرية التعبير والمعلومات، وحرية التجمع و التنظيم.

2- الاعتقال لأسباب سياسية بحتة، غير مترافقة بأي جرم.

3- إذا -بدوافع سياسية- كانت فترة الاعتقال أو شروطها غير متناسبة وضوحاً مع جرم الشخص المذنب أو المشكوك به.

4- إذا -بدوافع سياسية- اعتقل الشخص بأسلوب مميز عن معتقلين آخرين.

5- إذا كان الاعتقال ناجماً عن إجراءات غير عادلة بشكل واضح، وتبدو أنها مرتبطة بدوافع سياسية من قبل السلطات.

مع ملاحظة أن المعتقلين على خلفية ارتكابهم جرائم عنف، مثل العمليات الإرهابية، لا يجوز اعتبارهم معتقلين سياسيين،مع التأكيد أن هذا التمييز يطبق في الدول الديموقراطية التي لا يمكن فيها ادعاء مقاومة مسلحة شرعية (أي أنه لا يطبق في سوريا).

وقد كان لهذه المعايير دور مساعد في تحديد ومناقشة وضع المعتقلين السياسيين في عدة بلدان سوى أرمينيا وأذربيجان؛ كما فعلت مجموعة “الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” في دراستها لوضع المعتقلين السياسيين في جورجيا بعد الثورة.

أخيراً على الصعيد الدولي، عرفت منظمة AAPP (Assistance Association for Political Prisoners) المعنية بالسجناء السياسيين في بورما، السجين السياسي على أنه: “الشخص الذي اعتقل بسبب انخراطه في نشاط حركة سياسية سواء بشكل سلمي أو عبر وسائل مقاومة”.

 

ب – في القانون السوري:

يعرّف قانون العقوبات السوري في المادة 195 الجرائم السياسية على أنها:

1 ـ الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي.

2 ـ وهي كذلك الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انقاد لدافع أناني دنيء.

ونصت المادة 196:

1 ـ تعد جرائم سياسية الجرائم المركبة أو الملازمة لجرائم سياسية ما لم تكن من أشد الجنايات خطورة من حيث الأخلاق والحق العام، كالقتل والجرح الجسيم والاعتداء على الأملاك إحراقاً أو نسفاً أو إغراقاً والسرقات الجسيمة ولا سيما ما ارتكب منها بالسلاح والعنف وكذلك الشروع في تلك الجنايات.

2 ـ أما في الحرب الأهلية أو العصيان فلا تعد الجرائم المركبة أو المتلازمة سياسية إلا إذا كانت عادات الحرب لا تمنعها ولم تكن من أعمال البربرية أو التخريب.

(وهنا يقوم التفريق بين المعتقل السياسي و”المجرم” السياسي).

المادة 197:

1 ـ إذا تحقق القاضي أن للجريمة طابعاً سياسياً قضى بالعقوبات التالية:

  • الاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
  • الاعتقال المؤقت أو الإبعاد أو الإقامة الجبرية الجنائية أو التجريد المدني بدلاً من الأشغال الشاقة الموقتة.
  • الحبس البسيط أو الإقامة الجبرية الجنحية بدلاً من الحبس مع التشغيل.

مع أن المعتقلات السورية لا توفر أي إمكانية للمؤسسات الحقوقية والدولية للوصول إلى المعتقلين داخلها، بما في ذلك السجون المدنية، فإن الأدلة والشهادات الكثيرة التي جمعت على مدار ست سنوات من الصراع في سوريا من معتقلين أطلق سراحهم، وعناصر وضباط منشقين، وحسب تعريف المجلس الأوروبي للمعتقل السياسي، وحسب تعريف منظمة العفو الدولية، والقانون السوري المحلي، فإن المعتقلين السوريين الذين يشكلون المجتمع المبحوث هنا، هم بلا أدنى شك معتقلون سياسيون، وفقاً لجميع هذه التعريفات. وأكثر من ذلك، فإن بعضهم معتقل رأي حسب تعريف منظمة العفو الدولية.

ومهما كان التوصيف القانوني للمعتقلين المعنيين في سوريا جدلياً، فإن ذلك لا يؤثر البتة على الضرورة المطلقة لاحترام حقوق المعتقل في السجن، إذ أن الاحتجاز، لأيّ سببٍ كان، لا ينفي عن الفرد صفته الإنسانية، ولا يجوز انتزاع حقوق المعتقل منه تحت أي ذريعة، حتى في حالات الطوارئ.

وقد أصدرت المنظمات الدولية قراراتٍ وتوصياتٍ خاصةً بحقوق السجناء، بالاعتماد على مقرّرات مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف، حيث تمّ إقرار القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، وهي مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرّضون لأيّ شكلٍ من أشكال الاحتجاز أو السجن، ومعاملتهم معاملةً إنسانية، والحفاظ على كرامتهم الإنسانية الأصيلة، والتمتع بالحقوق المتعارف عليها في المواثيق الدولية، كحقّ المعتقل في التظلّم مما يتعرّض له في السجن من ممارسةٍ غير قانونية، وحقه في معرفة أسباب اعتقاله، وحق الإدلاء بالأقوال في أقرب وقتٍ، والدفاع عن نفسه والاستعانة بمحامٍ، والحقّ في الحصول على المعلومات عن حقوقه، والحقّ في الاتصال بالعالم الخارجيّ، والحق في تبليغ الأسرة بالمكان الذي تمّ نقله إليه، والحقّ في الاتصال وتوفير زيارة الأسرة، واحترام حقوقه دون تمييز.

وقد انتهكت السلطات السورية (وكذلك الأطراف غير الحكومية) هذه البنود جميعاً، بل إنها مارست انتهاكات تطال الأسس المتعلقة بحقوق الإنسان، كحق الحياة. إذ أكد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدوليّ للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، على أن الحقّ في الحياة حقٌّ ملازمٌ لكلّ إنسان، وأن على القانون حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحدٍ من حياته تعسفاً، وأن هذا الحقّ لا يمكن تعطيله حتى في حالات الطوارئ، كما ورد في المادة 4/أ.