أفدح الجرائم في التاريخ هي تلك التي لا يمكن إثبابتها

حين فُتِحَ الباب مساءً وبدأنا نخرج دفعات إلى الحمامات … وقع أحد المعتقلين من زنزانة أخرى وهو يقضي حاجته وفقد وعيه فأمرنا المسخ السجان أن نقف و وجوهنا للحائط كالمعتاد…
هناك طعنني صوت طفلة .. ظننت أني أحلم أو أنه يخيل إليّ ذاك … لكن صوت الطفلة تحول لبكاء …. حركت رأسي ببطء شديد جداً نحو مصدر الصوت فالإلتفاتة تعني الموت …صُعقتُ من هول المنظر … يارب السموات .. كانت تقف قبل باب المراحيض عائلة كاملة الأب عارٍ تماماً والأم بثيابها الداخلية و ثلاثة أطفال قَدَرتُ أعمارهم مابين العاشرة والثالثة … التصق الأطفال بأمهم وبين أرجل أبيهم خوفاً من أصوات التعذيب وكلما مر مسخ منهم صفع الأب وبصق على الأم والطفلة

كانت الطفلة تنظر إلى وجه أبيها الذي ينزف ثم تدس وجهها ببطن أمها وتقول :
ماما ليش كلهن عم يضربوا بابا … حاولت أن تخفي اختناقها بعبراتها شهقت عدة مرات نظرت إلى أبيها ثم استسلمت للبكاء الذي كان أعمق من كل أحلامي …

صوت بكائها طغى على كل شيء هناك وكأن كل ذرة موجودة كانت تستمع بصمت لنشيج حزنها العميق لم أنسى وجهها حتى هذه اللحظة … وكثيراً ما أراها في أحلامي تقف وتبكي كما كانت تبكي هناك الأطفال كانت تتبدل ملامحهم بحسب شدة صراخ تعذيب المعتقلين و عندما يتحول الصراخ لعويل يبكون مع من يتعذب … والأم ضمت أطفالها بيد و وضعت الأخرى على صدرها لتستر ثدييها كانت دموعها تنهمر دون أن تغير ملامح وجهها ….
عدنا للزنزانة ونحن نصرخ بالروح بالدم نفديك يا بشار ….والحزن وصل حين ذاكـ لقعر أعماق قلبي …… وليس بعد هذا شيء آخر
لقد ارتكبوا جرائم لا يمكن إثباتها … وإن أفدح الجرائم في التاريخ هي تلك التي لا يمكن إثبابتها …