“إما أن نرحل أو نموت”
التهجير القسري بموجب اتفاقات “المصالحة” في سوريا
منظمة العفو الدولية
“فلنكن واقعيين، حين نتحدث عن ’اتفاق‘، لم يكن هناك اتفاق بالمرة؛ كان علينا إما أن
نرحل أو نموت”.
ناشط من داريا
تزايد اعتماد الحكومة السورية على الاتفاقات المحلية كإحدى استراتيجياتها الأساسية الرامية إلى إرغام المعارضة على الاستسلام.
وتقدم الحكومة وحلفاؤها هذه الاتفاقات على أنها جهود “للمصالحة”، أما واقع الأمر، فهو أنها تأتي بعد حصار مطول غير مشروع
وعمليات قصف، وتفضي في كل الأحوال، لا إلى إخلاء أعضاء الجماعات المسلحة غير الرسمية فحسب، بل إلى النزوح الجماعي
للمدنيين كذلك. وقد مكنت هذه الاتفاقات الحكومة، من حيث الجوهر، من استعادة السيطرة على الأراضي عن طريق تجويع السكان
الذين رفضوا حكمها، ثم إخراجهم منها. وقد أصبحت عمليات إخلاء السكان بالحافلات الخضراء، التي باتت ً معروفة الآن، ً رمزا للتجريد من الممتلكات والهزيمة.
وينبغي النظر إلى هذه الاتفاقات في سياق العدد الهائل من مخالفات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان التي
سبقت تنفيذها، ووقعت خلال التنفيذ وبعده. وقد سبب الصراع في سوريا معاناة هائلة للمدنيين، حيث أودى بحياة عشرات الآلاف، وأرغم نصف السكان الذين كانوا في البلاد قبل الحرب على النزوح داخل البلاد وخارجها. ويعيش الملايين في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومن بينهم ما يزيد على 500000 نسمة ما زالوا أسرى العيش في مناطق محاصرة. وقد ارتكبت كل الأطراف انتهاكات جسيمة، وجرائم خطيرة منصوص عليها في القانون الدولي، وكانت القوات الحكومية مسؤولة عن أغلب الجرائم والانتهاكات.
ولجأت الحكومة السورية على مدى السنوات الخمس الأخيرة، وكذلك جماعات المعارضة المسلحة، ولكن بدرجة أقل، إلى فرض
الحصار على بعض المناطق الكثيفة السكان مع حرمان المدنيين من الغذاء، والدواء، وغيرهما من الضروريات الأساسية، ما ّ يشكل
ً انتهاكا للقانون الدولي الإنساني. وكابد المدنيون المحاصرون، بالإضافة إلى ذلك، هجمات غير مشروعة وشديدة من البر والجو.
وبات ُيشار على ٍ نطاق ٍ واسع “الاستسلام أو الموت ً جوعا”، وهو مصطلح إلى هذه السياسة الحكومية الممنهجة باستراتيجية
تستخدمه الأمم المتحدة ً أيضا.
ثلاثة من هذه الاتفاقات وتنفيذها تحت إشراف أطراف دولية راعية مثل روسيا وإيران. وأدت هذه الاتفاقات التي تم التوصل إليها
في الفترة الواقعة بين أغسطس/آب 2016 ومارس/آذار 2017 إلى نزوح آلاف السكان من المناطق التالية: داريا، وحلب الشرقية،
والوعر، ومضايا، والزبداني، وكفريا، والفوعة. وثمة بعض الاختلافات بين الاتفاقات، لكنها ً جميعا تشترك في ٍ نمط من الحصار
والقصف الذي يسبقها، ونزوح . ٍ جماعي يعقبها وأجرى باحثو منظمة العفو الدولية هذا البحث في الفترة الواقعة بين إبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2017 ،فأجروا مقابلات مع 134 شخصا، من بينهم بعض السكان النازحين الذين عايشوا الحصار والهجمات، وبعض موظفي المعونة الإنسانية والخبراء الدوليين والصحفيين، ومسؤولي الأمم المتحدة المطلعين على الأحداث المعنية. ِجرَيت المقابلات إما ً شخصيا وإما عن طريق الهاتف، أو البريد الإلكتروني، أو تطبيقات المحادثة والمراسلات الإلكترونية الفورية. وبالإضافة إلى ذلك قامت المنظمة بدراسة عشرات من
تسجيلات الفيديو وتحليل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لتقييم مدى اتفاقها مع روايات شهود العيان. وفي أكتوبر/تشرين
الأول 2017 ،وجهت المنظمة رسائل إلى الحكومتين السورية والروسية، وكذلك إلى الجماعة المعارضة المسلحة.
وتقدم النتائج التي توصلت إليها المنظمة أدلة على أن الحكومة السورية أخضعت المدنيين في داريا، ومضايا، وحلب الشرقية،
وحي الوعر في مدينة حمص، بطريقة ممنهجة، للحصار غير المشروع، وقيدت بشكل تعسفي حصولهم على المعونة الإنسانية
والطبية التي لا غنى عنها لحياة المدنيين. ً وفضلا عن ذلك، شنت الحكومة هجمات جوية وبرية على المدنيين والأعيان المدنية
ُ ِص َيب مئات المدنيين، حسب نتائج التوثيق الذي قامت به جماعات مراقبة
كالمستشفيات، والأسواق، والمباني السكنية. والمرجح أن العدد أعلى من ذلك، حيث يصعب توثيق أعداد القتلى والجرحى خلال الصراع. وتمثلت هذه الهجمات إما في صورة هجمات مباشرة على المدنيين والأعيان المدنية، وإما في هجمات ُشَّنت بلا تمييز في مناطق كثيفة السكان. وهي بذلك تمثل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، وقد ترقى إلى جرائم الحرب.
التقرير pdf تقرير العفو الدولية عن التهجير القسري